في الصحافة

حلم الوحوش القوية - بقلم محمد بيطاري

03/06/2013

ثمانية كوابيس في ثمانية دقائق... كل طفل يفرغ عبر سرد حلمه أسرار عوالمه الداخلية، مقدمة بذلك معادلة بصرية ولغة سمعية تختلف عن الشكل الاعتيادي، ليقترب العمل إلى كونه حلماً.
تحملنا المخرجة الفلسطينية الشابة لينا العبد، في عملها الجديد «حلم الوحوش القوية»، إلى عنوان فريد في تسميته، يبدو للوهلة الأولى فيلما كرتونياً. لكنه رحلة صغيرة إلى مركز للنازحين، في مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، يحتضن أطفالاً سوريين وجد القتلُ والدمارُ الحاصل في بلدهم طريقاً معبداً إلى أحلامهم، يحوّلها إلى «كوابيس»، ويعجن ليلهم بأرقٍ حجمه ذلك الدم النازف.
 
تقول لينا، خريجة كلية الإعلام في جامعة دمشق، عن فيلمها القصير: «هي محاولة لمواجهة كوابيسي الشخصية التي تحّرض أرقي المستمر، لربما تصبح الحياة في المنام، على الأقل، أفضل من الواقع».
 
تلك الكوابيس لاحقت المخرجة الشابة عبر توثيقها مقابلات خاصة مع فتيات تعرضن للاغتصاب، على أيدي عناصر من فرع «فلسطين» الأمني. دفعها ذلك إلى تجربة جديدة مع الأطفال، لا تحتمل الخطأ، وهي مغامرة الغوص في أحلامهم، والمضي لنبش ذاكرة طفل. وهذا الأمر احتاج إلى وقت طويل وعمل دؤوب، أثمر فيلماً قصيراً أُنتج بدعم من مؤسسة «بدايات». «بقيت لشهرين أتردد يومياً إلى المركز، وأتحدّث مع الأطفال ليعتادوا على وجودي». احتاجت المخرجة كل تلك المدة لتوطيد علاقتها مع الأطفال والوصول إلى حالة استرخاء تسمح لها بالتعبير عن رؤيتها من خلال الصور.
 
يتحدث الفيلم في أقل من ثماني دقائق عن ثمانية أحلام - كوابيس، انتقتها المخرجة بعناية فائقة من ضمن عدد كبير. كل طفل يفرغ عبر سرد حلمه أسرار عوالمه الداخلية، مقدمة بذلك معادلة بصرية ولغة سمعية تختلف عن الشكل الاعتيادي، ليقترب العمل إلى كونه حلماً، يمتاز بحساسية طفولية، ومساحة تعبيرية مكثفة، تبرز فيها وجوه الأطفال قاسية، من حدة الحدث الذي شهدوه. فجأة، صاروا كباراً، يحملون عبء حياة التي شوّهت المعنى الطبيعي لأيامهم، وغيَّرت المسار البسيط لحياتهم. فرضت الضرورة والظروف عليهم الاستعداد والتأهب لمواجهة المجهول، «ما لاحظته أنهم ما عادوا يشعرون بالخوف». تحكي لينا عن التفاصيل التي اختفت من عيون الأطفال وقلوبهم بسبب هول ما مروا به.
 
تفيض من ذاكرة الأطفال صور رحلتهم التي عبروا بها من سوريا إلى لبنان، وإحساسهم باللجوء الأول، وما حدث بالنسبة لهم، غيّر حياتهم. حنينهم إلى أيامٍ مضتْ تحوّل إلى أحلام تدور حول ما حدث وما زال يحدث في سوريا. العنكبوت الذي يمشي على يد الفتاة، مصاصو دماء خطفوا الأطفال، المدرّس الوحش، الساعة التي سمحت للطفل أن يتحول إلى وحش، المتفجرة تحت «براد الآيس كريم»، رجل المعجون الفضي الضخم يهاجم المدينة الآمنة. كلها استعارات ورموز استبدلها الأطفال لصوغ أحلامهم، ليشيروا إلى قاتلٍ كرس لهم الخراب وحرمهم من أصدقائهم، ولعبهم في الأزقة التي صارت دماراً وامتلأت بروائح الدم والبارود. أما ذلك الطفل، الذي تحوّل إلى وحشٍ ناري قاد معركة ضد القاتل وطائراته الحربية، فلن يعود إلى سابق عهده إلا عندما يختفي القاتل. إنه يصبو في عالمه الخاص، إلى الخلاص مما حلّ به.
 
بعد «نور الهدى» الحائز على جائزة لجنة تحكيم «دوكس بوكس» لأفضل فيلم سوري في العام 2010، و«توق» الذي شاركت به في مهرجان «ترابيكا الدوحة السينمائي 2013»، تضع لينا العبد بين أيدينا، عبر هذا العمل، مجموعة أفكار صنعها الأطفال وحدهم، بحديثهم وخيالاتهم الخصبة، بقدرتهم على التصوير والسرد، والتعبير المنفلت تلقائياً. هو مجموعة أعمال فنية متكاملة، يطرحها الأطفال بقوة، ولعلها تكون أيضاً، دراسة نفسية طويلة، تدعو كل قادر إلى أداء دوره، وتقديم ما عليه، بعيداً عن الشعور بالشفقة. فأولئك الأطفال الأقوياء واجهوا «الكاميرا» بنظراتٍ حادة وحالمة، بضحك وعنفوان. ولننتظر فقط، لنر ما سيصنعه هؤلاء في مستقبلهم، بعد تجربة مبكرة، مبكرة جداً.

 
عن جريدة السفير
 

رابط المقال 
http://shabab.assafir.com/Article
 
المشاركة
عرض المزيد