في الصحافة

ثلاث سنوات سوريّة.. في ثلاث دقائق بقلم: محمد بيطاري

19/11/2013

 وأخيراً وصل المخرج الشاب عروة كوستا إلى لوحته المكثفة: «صورة ذاتية».    

انتقل من دمشق إلى بيروت، من الصورة الثابتة إلى الصورة المتحركة، من مشهد واحد، إلى مشاهد بعنوان واحد ومفتوح، وأخيراً وصل المخرج الشاب عروة كوستا إلى لوحته المكثفة: «صورة ذاتية».
ما إن تقرأ عنوان الفيلم (3.08 دقيقة، بدعم من مؤسسة بدايات) حتى تبدأ بالتفكير. ما هي الصورة؟ ومن هي الشخصية التي داخل ذلك الإطار؟ وما إن تبدأ برؤية الفيلم حتى تظهر لك النافذة؛ إطاراً مفتوحاً بإحكام على مشهد الحدث السوري برمزية عالية، لتعرف أن الشخصية هي سورية بحتة، والصورة هي سردية خفيفة. أما النافذة فهي من يطل ويواكب، عين أي مشاهد، قد يكون شاباً أو عجوزا، امرأة أو طفلا، بائعاً من خلف زجاج محله أو سائق سيارة أجرة، أو أي أحد يمشي في هذا الشارع الذي يحملُ هذا الثقل. يقول عروة: «اخترت هذا العنوان لأني رأيت الصورة من داخل الثورة وليس صورة عنها، وقت من حياتنا يحتاج للترسيخ عبر الصورة».
تبدو علاقة عروة مع الصورة علاقة وثيقة وقديمة، تعود إلى قبل عشر سنوات، عندما أسس غرفة «دارك روم» للتحميض والطباعة اليدوية داخل منزله. وفي بداية الثورة السورية، أسس مشروع «فوتوغراف» على «فايسبوك»، أطلق عليه اسم «سيرياليسم» أو «syrrialism»، ليتمكن من المشاركة في بعض الأفكار التي تساعد على دعم روح الثورة، خاصة أن التمثيل الفوتوغرافي في بدايتها كان معدوماً. ومن ناحية أخرى، كان عروة راضياً عما أنتجه في ذلك الوقت، كما يقول مؤكدأ بكلمات بسيطة: «كنت أجمع بين الثورة والصورة».
بعدها، قرر الشاب خوض التجربة في الانتقال إلى الصورة المتحركة، فكان أول عمل له الفيلم القصير «ذكريات وهلوسات من سوريا السوريالية»، عقب خروجه من سوريا. يقول عروة عن تجربته الأولى: «كانت في رأسي حالات كثيرة عشتها في سوريا أو سمعت عنها، وأحببت أن أجمعها في عمل يقع بين الفيلم القصير والفيديو آرت»، وما ساعد عروة في خوض التجربة، شغفه واهتمامه بعدسات الكاميرا.
اختزل عروة فيلمه محاولاً إيجاد صيغة ومعادلة بصرية، تختلف عن الآخرين الذين اشتغلوا أفلاماً توثيقية عن الثورة والمعاناة السورية واكتفوا بالسرد. عروة يطمح لتطوير اللغة البصرية في الحكاية السورية التي لم تنته. الفيلم رواية ضخمة، حملت كل ما مرَّ به السوريون خلال الفترة الماضية، بدءاً من الرجل البخاخ الذي يتخفى ليلاً، محاولاً تلوين الشوارع بكلمات تحرض الناس للنهوض في وجه الجلاد، مروراً بالمظاهرات وهجوم الشبيحة على الشباب العزل، منهالين عليهم بالضرب الوحشي، إلى سقوط الشهداء خلالها دفاعاً عن حقوقهم المدنية عبر الصراخ بما حملوه سنوات طويلة في صدورهم.
ثم ينتقل عروة بكاميرته إلى مشهد شديد الحساسية: الحرب بين الكاميرا والرصاصة، وأهمية ذلك في الثورة السورية. حتى أن الإعلامي والمصور كان بالنسبة للنظام أخطر من أي شخص آخر فعال في الثورة. وإلى الآن ما زال الإعلامي والمصور واقعاً بين ميليشيات النظام والمليشيات الإسلامية، التي لم يختلف تعاملها مع الأداة التي تنقل الحقيقية.
ثم ما يلبث أن يُمرر عروة كاميرته على مشهد الهجرة والنزوح إلى المجهول، وحالة التيه التي شتتت الشعب السوري ورمته في أصقاع الأرض. أما خاتمة الفيلم، فهي أقسى ما تعرض له السوريون خلال الفترة الماضية (حالة الحصار والتجويع واستخدام الغازات السامة ضد المدنيين)، مما جعل عروة يلعب على الرموز، من خلال وجوه الخبز الضاحكة التي ترمز إلى أطفال حرموا من شروط هذه الحياة البسيطة (الخبز)، والمرأة التي ترتدي قناع الغازات السامة الذي غيّر بشكل صادم من جمالها. عمد المخرج الشاب إلى تكرار هذا في عمليه، إلا أنه في فيلم «صورة ذاتية» أخذ يجمع الرموز، ليضعها في حالة مواجهة مع الكاميرا، ناقلاً السؤال في هذه المواجهة إلى ملعب المتلقي والمشاهد.
ما قام به عروة مادة ضخمة في صور سريعة، اشتغلت على أحداث واقعية. يقول: «لم أخرج عن حيّز العبثية». العبثية التي لا يعرف المخرج معناها ومرتكزها إلا أنه يراها فاعلة داخله وواضحة حتى في أوقات الحرب.
إلا أن الصدفة هي التي سمحت لهذا العمل بالولادة. فالفكرة بدأت من محادثة بين المخرج وصديق أجنبي لا يعرف عن سوريا غير أنها واقعة في شباك الحرب. يشرح عروة سبب إنجازه لهذا العمل. يقول: «أحببت أن أعمل على مادة فنية سريعة قوية، قادرة على إيصال الأفكار الرئيسية. داخلياً أيضاً، أصبحنا بحاجة لأن نتذكر قليلاً شكل ثورتنا قبل أن تطمس الحرب معالمها».
http://www.shabab.assafir.com

المشاركة
عرض المزيد